فصل: قال أبو جعفر النحاس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في معاني السورة كاملة:

.قال المراغي:

سورة ص:
الذكر: الشرف كما قال: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} الذين كفروا هم رؤساء قريش، في عزة: أي في استكبار عن اتباع الحق ومتابعة غيرهم فيه والعزة أيضا الغلبة والقهر كما قالوا في أمثالهم: من عزّ بزّ أي: من غلب سلب، شقاق: أي مخالفة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من قولهم: فلان في شقّ غير شق صاحبه، فنادوا: أي استغاثوا، لات: أي ليس الحين، مناص: أي فرار وهرب، عجاب: أي بالغ في العجب نحو قولهم طويل وطوال أي إنه من نوائب الدهر فلا حيلة لنا إلا الصبر عليه، الملة: {الآخرة} هي ملة النصارى، اختلاق: أي كذب وافتراء، فليرتقوا: أي فليصعدوا، في الأسباب: أي في المعارج والطرق التي يتوصل بها إلى الاستيلاء على العرش، قاله مجاهد وقتادة. ومنه قول زهير:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ** وإن يرق أسباب السماء بسلّم

{جند ما} أي جند كثير عظيم كقولهم لأمر ما جدع قصير أنفه، مهزوم: أي مغلوب، الأحزاب: أي المجتمعين لإيذاء محمد وكسر شوكته وإبطال دينه.
القط: النصيب والحظ والكتاب بالجوائز والجمع القطوط، قال الأعشى يمدح النعمان بن المنذر:
ولا الملك النعمان يوم لقيته ** بغبطته يعطى القطوط ويأفق

ويأفق: أي يصلح.
{الأيد} والآد: القوة في العبادة وكان يصوم يوما ويفطر يوما، أوّاب: أي رجاع إلى اللّه وإلى طاعته من قولهم آب. إذا رجع، قال عبيد بن الأبرص:
وكلّ ذى غيبة يئوب ** وغائب الموت لا يئوب

{والإشراق} أي وقت الإشراق، يقال أشرقت الشمس: أضاءت، وشرقت: طلعت، محشورة: أي محبوسة في الهواء، أواب: أي منقاد يسبح تبعا له، شددنا ملكه: أي قويناه بالهيبة والنصر، والحكمة: هي إصابة الصواب في القول والعمل، الفصل: الحاجز بين الشيئين، وفصل الخطاب: الكلام الذي يفصل بين الحق والباطل.
هل: هنا كلمة يراد منها التعجيب والتشويق إلى سماع ما يرد بعدها، والخصم: جماعة المخاصمين ويستعمل للمفرد والجمع مذكرا ومؤنثا قال الشاعر:
وخصم عضاب ينفضون لحاهم ** كنفض البرازين العراب المخاليا

{وتسوروا} أي أتوه من أعلى السور ودخلوا إلى المنزل، والمحراب: الغرفة التي كان يتعبد فيها ويشتغل بطاعة ربه، والفزع: انقباض ونفار يعترى الإنسان من شيء مخيف، بغى: أي جار وظلم، ولا تشطط: أي لا تبعد عن الحق ولا تجر في الحكومة، سواء الصراط: أي وسط الطريق، والنعجة أنثى الضأن ويكنى بها عن المرأة كما قال عنترة:
يا شاة ما قنص لمن حلّت ** له حرمت علىّ وليتها لم تحرم

فبعث جاريتى فقلت لها اذهبي ** فتحسّسى أخبارها لى واعلم

قالت رأيت من الأعادى غرّة ** والشاة ممكنة لمن هو مرتمى

{أكفلنيها} أي ملكنيها، وأصل ذلك اجعلنى أكفلها كما أكفل ما تحت يدى، وعزّنى: أي غلبنى، وفي المثل: من عزّ بزّ أي من غلب سلب، وقال الشاعر:
قطاة عزّها شرك فباتت ** تجاذبه وقد علق الجناح

{فى الخطاب} أي في مخاطبته إياى ومحاجته، إذ قد أتى بحجاج لم أستطع رده، والخلطاء: هم المعارف أو الأعوان ممن بينهم ملابسة شديدة وامتزاج: واحدهم خليط، فتنّاه: أي ابتليناه، خر: أي سقط، راكعا: أي ساجدا وقد يعبر بالركوع عن السجود، قال الشاعر:
فخرّ على وجهه راكعا ** وتاب إلى اللّه من كل ذنب

{وأناب} أي رجع إلى ربه، والزلفى: القرب من اللّه، والمآب: المرجع.
{باطلا} أي عبثا ولعبا، ويل: أي هلاك، مبارك: أي كثير المنافع الدينية والدنيوية، ليدبروا: أي ليتفكروا، ليتذكر: أي ليتعظ، الألباب: واحدها لبّ، وهو العقل، وقد يجمع على ألبّ ويفك إدغامه في ضرورة الشعر، قال الكميت:
إليكم ذوى آل النبىّ تطلّعت ** نوازع من قلبى ظماء وألبب

الصافن من الخيل: الذي يرفع إحدى يديه أو رجليه ويقف على مقدم حافرها كما قال:
ألف الصّفون فما يزال كأنّه ** مما يقوم على الثلاث كسيرا

وقال النابغة:
لنا قبّة مضروبة بفنائها ** عتاق المهارى والجياد الصوافن

{والجياد} واحدها جواد، وهو السريع العدو، كما أن الجواد من الناس السريع البذل قاله المبرد، والخير هنا: الخيل {توارت} أي غيبت عن البصر، طفق: شرع، المسح إمرار اليد على الجسم.
{فتنّا سليمان} أي ابتليناه بمرض، جسدا: أي جسما ضعيفا كأنه جسد بلا روح، أناب: أي رجع إلى صحته، لا ينبغى لأحد من بعدي: أي لا ينتقل منى إلى غيرى، رخاء: أي لينة، أصاب: أي قصد وأراد، فقد حكى الزجاج عن العرب أنها تقول:
أصاب الصواب فأخطأ الجواب، قال الشاعر:
أصاب الكلام فلم يستطع ** فأخطأ الجواب لدى المفصل

{مقرّنين} أي مربوطين، والأصفاد: واحدها صفد بالتحريك وهو الغلّ الذي يجمع اليدين إلى العنق، قال عمرو بن كلثوم:
فآبوا بالنّهاب وبالسّبايا ** وأبنا بالملوك مصفّدينا

والزلفى: الكرامة، والمآب: المرجع.
أيوب: هو أيوب بن أموص بن أروم بن عيص بن إسحاق عليه السلام، فهو من بنى إسرائيل قاله ابن جرير. والنّصب: بضم فسكون والنّصب بفتحتين كالرشد والرشد: المشقة والتعب، عذاب: أي ألم مضر كما جاء في قوله: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} اركض برجلك: أي اضرب بها على الأرض، مغتسل: أي ماء تغتسل به وتشرب منه، والضغث: الحزمة الصغيرة من الكلأ والريحان، ويقال حنث في يمينه: إذا لم يفعل ما حلف عليه.
{الأيدى} أي القوى في طاعة اللّه، والأبصار: واحدها بصر ويراد به هنا البصيرة والفقه في الدين ومعرفة أسراره، أخلصناهم: أي جعلناهم خالصين لنا، بخالصة: أي بخصلة خالصة لا شوب فيها، هي تذكّر الدار الآخرة والعمل لها، المصطفين: أي المختارين من أبناء جنسهم، والأخيار: واحدهم خيّر وهو المطبوع على فعل الخير، هذا ذكر: أي هذا المذكور من الآيات فصل من الذكر وهو القرآن.
الطاغي: المتجاوز للحد في ترك الأوامر وفعل النواهي، جنات عدن: أي جنات استقرار وثبات، من قولهم: عدن بالمكان أي أقام به، متكئين فيها: أي متكئين فيها.
على الأرائك كما جاء في الآية الأخرى، أتراب: أي لدات متساوون في السن حتى لا تحصل الغيرة بينهن، نفاد: أي انقطاع.
{الطاغين} هم الكفار الذين تجاوزوا حدود اللّه وكذبوا رسله، يصلونها: أي يدخلونها ويقاسون حرها، والمهاد: كالفراش لفظا ومعنى، والحميم: الماء الشديد الحرارة، والغساق: شديد البرودة يغسق من صديد أهل النار، يقال غسقت العين: أي سال دمعها، من شكله: أي من مثل المذوق في الشدة والفظاعة، أزواج: أي أجناس.
{فوج} أي جمع كثير من أتباعكم في الضلال، والاقتحام: ركوب الشدة والدخول فيها، لا مرحبا بهم. قال أبو عبيدة: العرب تقول لا مرحبا بك: أي لا رحبت عليك الأرض ولا اتسعت، من الأشرار: أي الأراذل الذين لا خير فيهم، يريدون بذلك المؤمنين، زاغت عنهم: أي مالت عنهم، والتخاصم: مخاصمة بعضهم بعضا ومدافعة كل منهم الآخر.
{فقعوا له} أي اسجدوا له، ما منعك: أي ما صرفك وصدك، واليد: القدرة قال:
تحمّلت من عفراء ما ليس لى ** به ولا للجبال الراسيات يدان

{من العالين} أي المستحقين للترفع عن طاعة اللّه المتعالين عن ذلك، رجيم: أي مرجوم ومطرود من كل خير، لعنتى: أي طردى، أنظرنى: أي أمهلنى، من المنظرين: أي الممهلين، لأغوينهم: أي لأضلنهم، المخلصين: أي الذين أخلصتهم للعبادة.
{من المتكلفين} أي المدّعين معرفة ما ليس عندهم، نبأه: أي ما أنبأ به من وعد ووعيد، بعد حين: أي بعد الموت. اهـ. باختصار.

.قال أبو جعفر النحاس:

تفسير سورة ص:
مكية وآياتها 88 آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سورة ص وهي مكية.
من ذلك قوله جل وعز: {ص} بإسكان الدال لأنها من حروف التهجي وتقرأ صاد والأجود عند سيبويه فيها الإسكان ولا تعرب لأن حكمها الوقوف عليها فهي مثل حروف الهجاء آلم وآلمر وص إذا جعلته اسما للسورة لم ينصرف قال مجاهد هو فاتحة السورة وقال قتادة هو اسم من أسماء الرحمن وقال محمد بن كعب هو مفتاح اسماء الله تعالى صمد وصادق الوعد.
وروي أن الضحاك قال صاد صدق الله وقراءة الحسن (صاد) بكسر الدال معناها صاد القرآن بعملك يقال صاديته أي قابلته وهذا مشهور عند أهل اللغة ويجوز أن يكون كسر لالتقاء الساكنين والفتح من ثلاث جهات:
أ- قيل منها أن يكون قسما الله لأفعلن.
ب- ومنها أن يكون بمعنى اتل صاد والقرآن.
ج- ومنها أن يكون فتح لالتقاء الساكنين.
والقراءة بكسر الدال والتنوين لحن عند أكثر النحويين وإن كان ابن أبي إسحاق من كبراء النحويين إلا أن بعض النحويين قد أجازها على أن تخفض على القسم أجاز ذلك سيبويه.
وقوله جل وعز: {والقرآن ذي الذكر} [آية 1] روى سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد ومسعر عن أبى حصين في قول الله جل وعز والقرآن ذي الذكر أي ذي الشرف وهذا مثل قوله جل وعز: {وإنه لذكر لك ولقومك} وقيل معنى {ذي الذكر} فيه ذكر الأمم وغيرهم فاما جواب القسم فقيل إنه في قوله: {إن ذلك لحق تخاصم أهل النار} وهذا بعيد جدا لأنه قد اعترضت أقاصيص وأخبار وقيل الجواب في وقوله تعالى: {كم اهلكنا من قبلهم من قرن} والمعنى لكم أهلكنا وحذفت اللام كما قال تعالى: {قد أفلح من زكاها} وهو مذهب الفراء وقيل الجواب {إن كل إلا كذب الرسل} وقيل الجواب محذوف أي ما الأمر كما يقول هؤلاء الكفار ودل على هذا قوله تعالى: {بل الذين كفروا في عزة وشقاق} وهو مذهب قتادة وهو أولى الأقوال لأن بل قد حلت محل الجواب فاستغنى بها عنه.
ثم خبر الله جل وعز بعنادهم وانحرافهم عن الحق فقال: {بل الذين كفروا في عزة وشقاق} [آية 2] أي خلاف.
ثم قال جل وعز: {كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص} [آية 3] و{كم} للتكثير في كلام العرب.
ثم قال جل وعز: {فنادوا} أي بالتوبة والاستغاثة {ولات حين مناص} [آية 3] روى أبو إسحاق عن التميمي عن ابن عباس {ولات حين مناص} قال ليس حين نزو ولا فرار وقال عكرمة ليس حين انقلاب وقال قتادة نادوا حين لاحين نداء قال أبو جعفر هذه الأقوال متقاربة أي ليس حين نداء منجي والمعنى ليس حين فوت واصله من ناص ينوص إذا تأخر وباص يبوص الله تقدم كما قال الشاعر:
أفمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص ** فتقصر عنه تارة وتبوص

وقوله جل وعز: {إن هذا لشئ عجاب} [آية 5] عجاب وعجيب بمعنى واحد كما تقول طويل وطوال وكذلك {عجاب} قرأ به أبو عبد الرحمن.
ثم قال جل وعز: {وانطلق الملأ منهم أنا امشوا واصبروا على آلهتكم} [آية 6] روى سفيان عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد {وانطلق الملأ منهم} قال هو وعقبة بن أبي معيط أن امشوا أن تفسير ويجوز أن يكون معناه بأن امشوا واصبروا على آلهتكم فخبر الله جل وعز بإقامتهم على الكفر.
وقوله جل وعز: {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق} [آية 7] روى إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس قالا {في الملة الآخرة} في النصرانية.
وقال محمد بن كعب يعنون ملة عيسى صلى الله عليه وسلم وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد {في الملة الآخرة} قال ملة قريش وقال قتادة في الملة الآخرة أي ملتنا التي نحن عليها.
وقوله جل وعز: {أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب} [آية 9].
قال أبو جعفر هذه الاية مشكلة لذكره هذا بعدما تقدم وفيها قولان: أحدهما أنها متصلة بقوله: {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم} أي إن الله جل وعز له خزائن السموات والأرض وملكهما فيرسل من يشاء.
والقول الآخر أنه لما ذكر عنادهم وكفرهم وصبرهم على آلهتهم كان المعنى أم عندهم خزائن رحمة ربك فيحظروها قال على من يريدون أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما فقررهم بهذا.
ثم قال جل وعز: {أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب} [آية 10] أي إن كانوا صادقين فليرتقوا في أبواب السموات قال مجاهد وقتادة الأسباب أبواب السموات وقال زهير:
ولو نال أسباب السماء بسلم

وقيل الأسباب الجبال أي فليرتقوا في السماء حتى يأتوا بآية وحكى أهل اللغة أنه يقال للدين الفاضل ارتقى أسباب السموات كما يقال قد بلغ السماء على التمثيل.
ثم قال جل وعز: {جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب} [آية 11] أي هم جند لهؤلاء الآلهة مهزوم أي مقموع ذليل أي قد انقطعت حجتهم لأنهم لا يصلون إلى أن يقولوا هذا لنا ويقال تهزمت القرية إذا انكسرت وهزمت الجيش كسرته ثم قال من الأحزاب قال مجاهد أي من الأمم الخالية قال أبو جعفر والمعنى أنهم حزب من الأحزاب الذين تحزبوا على انبيائهم.
عن وقوله جل وعز: {كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد} [آية 12] روى سعيد عن قتادة في وقوله تعالى {وفرعون ذو الأوتاد} قال كانت له أوتاد وارسان من وملاعب يلعب بها بين يديه قال أبو جعفر وقيل كان يجعل الإنسان بين أربعة أوتاد ثم يقتله.
وقال الضحاك ذو الأوتاد ذو البناء المحكم كما قال: في ظل ملك ثابت الأوتاد.
ثم قال جل وعز: {وثمود وقوم لوطو في أصحاب الأيكة أولئك الأحزاب} [آية 13] قال قتادة كان أصحاب الأيكة أصحاب شجر أكثره من الدوم.
وقوله جل وعز: {وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق} [آية 15] قال مجاهد {ما لها من فواق} أي من رجوع.
وقال قتادة أي ما لها من مثنوية وأبو عبيدة يذهب إلى أن معنى من فواق بفتح الفاء من راحة ومن فواق بضم الفاء من انتظار وقال غيره هما لغتان بمعنى وقال السدي مالهم بعدها إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا قال أبو جعفر أصل هذا من قولهم فواق الناقة وهو ما بين الحلبتين المعنى أنها لا تلبثهم بن حتى يموتوا ولا يحتاج فيها إلى رجوع وافاق من مرضه رجع إلى الصحة والراحة وإلى هذا ذهب أبو عبيدة في قوله مالها من راحة.
وقوله جل وعز: {وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب} [آية 16] قال سعيد بن جبير قطنا أي نصيبنا من الجنة وقال الحسن أي عقوبتنا وقال مجاهد أي عذابنا.
وقال قتادة أي نصيبنا من العذاب وقال عطاء الخراساني أي قضاءنا أي حسابنا.
قال أبو جعفر أصل هذا من قولهم قططت الشئ أي قطعته فالمعنى عجل لنا نصيبنا أي ما قطع لنا ويجوز أن يكون المعنى عجل لنا ما يكفينا من قولهم قطني من هذا أي يكفيني ويروى أنهم قالوا هذا لما انزل الله جل وعز: {وأما من أوتي كتابه وراء ظهره} استهزاء وهذا كما قال: يعطي القطوط ويأفق يعني الكتب بالجوائز ويدل على هذا قوله تعالى: {اصبر على ما يقولون} [آية 17].
ثم قال جل وعز: {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب} [آية 17].
قال سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة أي ذا القوة في طاعة الله جل وعز قال أبو جعفر الأيد والآد في اللغة القوة وأيده قواه فانآد هذه كما قال: لم يك يناد فأمسى انآدا.
ثم قال تعالى {إنه أواب} قال مجاهد أي راجع عن الذنوب وقال قتادة أي مطيع قال أبو جعفر يقال آب يؤوبف سنة هو آيب إذا رجع وأواب على التكثير.
ثم قال جل وعز: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق} [آية 18] إشراق الشمس ضوءها وصفاؤها.
ثم قال جل وعز: {والطير محشورة كل له أواب} [آية 19] يجوز أن يكون المعنى كل لله جل وعز أواب يعني داود والجبال والطير ويجوز أن يكون المعنى في {كل} للجبال والطير أي ترجع مع داود التسبيح.
ثم قال جل وعز: {وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب} [آية 20].
قال مجاهد لم يكن في الأرض سلطان أعز من سلطانه قال السدي كان يحرسه في كل ليلة أربعة آلاف وقيل {شددنا ملكه} بأن الوحي كان ياتيه وهذا عن ابن عباس وقد روى عكرمة عن ابن عباس أن رجلين اختصما إلى داود ففال المستعدي إن هذا اغتصبني بقرا فجحده الآخر فأوحى الله إلى داود أن يقتلا الذي استعدى عليه فأرسل داود إلى الرجل إن الله قد أوحى إلي أن أقتلك فقال الرجل أتقتلني بغير بينة فقال لايرد أمر الله فيك فلما عرف الرجل أنه قاتله قال والله ما أخذت بهذا الذنب ولكن كنت اغتلت والد هذا فقتلته فأمو عمرو به داود فقتل فاشتدت هيبة بني إسرائيل عند ذلك له وهو قول الله عز وجل {وشددنا ملكه}.
ثم قال جل وعز: {وآتيناه الحكمة} [آية 20] قال أبو العالية أي المعرفة بكتاب الله جل وعز وقال السدي النبوة وقال مجاهد هو عدله.
ثم قال جل وعز: {وفصل الخطاب} [آية 20] قال الحسن أي الفهم في القضاء.
وقال أبو عبد الرحمن وقتادة أي وفصل القضاء وقال شريح والشعبي وكعب الشهود والأيمان وكذلك روى الحكم عن مجاهد وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ما قال أنفذ وقال الشعبي فصل الخطاب أما بعد قال أبو جعفر الخطاب في اللغة والمخاطبة واحد فالمعنى على حقيقة اللغة أنه يفصل أي يقطع المخاطبة بالحكم الذي آتاه الله إياه ويقطع أيضا فصلها في الشهود والأيمان وقيل: {وفصل الخطاب} البيان الفاصل بين الحق والباطل.
وقوله جل وعز: {وهل اتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب} [آية 21] {تسوروا} أي علو والمحراب كل مكان مرتفع وقيل محراب للذي يصلى إليه على التمثيل أي هو أرفع موضع في المسجد وخصم يقع للواحد والاثنين والجميع بلفظ واحد على معنى ذو خصم ولا اختلاف بين أهل التفسير أنه يراد به هاهنا ملكان.
وقوله جل وعز: {إذ دخلوا على داود ففزع منهم} [آية 22] قيل دخلا عليه ليلا في غير وقت الخصومة فلذلك قال: {ففزع منهم} وقيل فزع منهما لدخول هما من غير الباب الذي كان منه المدخل.
وقوله جل وعز: {قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض} [آية 22] على جهة المسألة كما تقول رجل يقول لامرأته كذا ما يجب عليه؟
ثم قال جل وعز: {فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط} [آية 22] {فاحكم بيننا بالحق} أي بالعدل ولا تشطط أي ولا تجر يقال أشط يشط إذا جار وشط يشط إذا بعد وقد قرى ولا تشطط أي لا تبعد في الحكم كما قال الشاعر:
شطت مزار العاشقين فأصبحت ** عسرا علي طلابها ابنة مخرم